يعتبر بلد جنوب السودان من بين الدول المستقلة حديثا،  و الذي يتوفر على أكبر المستنقعات في العالم،  من بين العجائب النادرة على كوكب الأرض، فمياه نهر النيل توفر موطنا لأندر الكائنات الحية و آلاف الطيور المهاجرة. هذا النظام المائي الفريد القديم قدم الزمان، يتمدد أثناء مواسم الجفاف، و يجمع المياه في وقت الفيضانات مثل الإسفنجة، و يعدل بذلك صبيب نهر النيل. يعيش في هذه المستنقعات شعب  شجاع و رائع، إنه شعب الدينكا، حوالي مليون شخص من أفراد هذا الشعب الذي يعيش مع أبقاره على حالة واحدة. يفركون البقر بالرماد لحمايتها من الباعوض،  فللأبقار مكانة كبرى عندهم. الماء ثمين في هذه المنطقة مثل البترول، و إذا لمس أحد مستنقعات الدينكا فإنهم سيحاربون للدفاع عن مملكتهم.


 مستنقعات جنوب السودان


قامت مصر و السودان بعمل دراسات وبحوث مكثفة بدأت في عام 1947 وانتهت في عام 1977 توصل البلدان إلى خطة عمل للاستفادة من المياه الضائعة بمنطقة السدود ومستنقعات بحر الجبل، تمخضت الدراسات والبحوث الإستشارية إلى حفر قناة تستوعب المياه الزائدة من المستنقعات وكميات المياه التي كانت تتبخر سنوياً دون الاستفادة منها، وبعد عدة محاولات جاءت التوصيات إلى حفر خط مائي يربط بين منبع القناة ببلدة جونغلي وحتى المصب لتصب عند فم السوباط بالقرب من مالاكال، من أجل رفع صبيب نهر النيل، لتنفيذ مخططات زراعية مشتركة، و ذلك بحفر قناة "جونغلي" على مسافة 360 كلم، ما بين "مالاكال" و قرية "بور"، لأن المياه تتكدس عند المستقنعات و تتبخر و لا يستغلونها، و هذه القناة سترفع إيرادات نهر النيل إلى 55 مليون متر  مكعب، سيستفيد منها البلدان في فتح مشروعات زراعية بمساحات كبيرة لسد احتياجات السكان المتزايدة سنويا.


 مسار قناة  جونغلي


تم إبرام هذه الاتفاقيات دون الأخذ بعين الاعتبار  وضعية ما يقارب مليون راع للأبقاع من شعب الدينكا الذين يعيشون مع أبقارهم هناك، و أن هذه القناة ستجفف المياه بالمستنقعات. بدأ  مشروع حفر القناة منذ ذلك الوقت من "مالاكال" باتجاه "بور"، حتى سنة 1983، حيث حفروا ما يقارب 260 كلم، و كانت قد وصلت حفارة ضخمة - يقارب حجمها مبنى من 4 طوابق و وزنها الذي يقارب 2300 طن و تحفر كل دقيقة ما يوازي مسبحا أولمبيا - إلى منطقة شعب الدينكا، الذين شنوا حربا ضد هذا العدو الذي سيسلبهم مملكتهم حتى أوقفوا الحفر، و منذ ذلك الوقت و  آلة الحفر هناك  كشاهد على الحرب، حرب الماء.

 آلة حفر قناة جونغلي


لازالت الكثير من الشعوب الإفريقية تعيش نفس نمط الأزمان الغابرة، و تعتمد كثيرا على الماء، هذا الأخير الذي اشتد عليه الطلب في وقتنا هذا و قل في نفس الوقت، هناك احتمال كبير أن تختفي هذه الشعوب أو تنتقل إلى مكان آخر بسبب انعدام الماء، هذا الأمر الذي سيحصل عاجلا أو آجلا.