الماء و دوره في التنمية

لعب الماء دورًا حاسمًا في تنمية المجتمعات، فالمجتمعات البشرية كانت دائما تبحث عن المياه لكي تستقر بجانبها، والتي كانت مصدر الحياة والرفاهية، حيث اعتبرت الماء موردا مقدسا  لآلاف السنين.

و اليوم، بسبب النمو السكاني السريع والتنمية الاقتصادية والتحديات الأخرى التي تؤثر على الموارد الطبيعية، زادت قيمة الماء بشكل كبير،أثبتت العديد من الدراسات التي أجريت على مدى السنوات العشر الماضية أن تكلفة المياه قد تتجاوز تكلفة النفط والغاز والفحم والموارد الطبيعية الأخرى الأساسية  لكل دولة ومنطقة، وشجعت المجتمع الدولي على التركيز على معالجة قضايا المياه كمورد أساسي للتنمية المستدامة، و قد تم إدراج المياه في العديد من السياسات والاستراتيجيات التنموية على المستويات الإقليمية والوطنية والعالمية. ونتيجة لذلك ، تم إدراج جوانب مختلفة من قضايا المياه في أهداف التنمية المستدامة.

 الماء عنصر مهم في اقتصادياتنا وهو أساسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية،  إنه مادة حيوية للحفاظ على الصحة، و زراعة الغذاء، و كذا خلق فرص للشغل. فهناك صلة وثيقة بين الماء والنمو الاقتصادي للبلدان، حيث  يشكل نقص المياه حاجزًا أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة ، كما أن الضعف التنموي للبلدان يشكل حاجزًا أمام حل مشكلات المياه، و  يمكن أن تؤثر المياه على رفاهية الإنسان الأساسية ويمكن أن تؤدي الإنتاجية الضعيفة للماء وندرته، ونقص أنظمة التجميع والتوزيع أيضا إلى زيادة الطلب على هذه المادة الحيوية في جميع الاحتياجات اليومية .

 تعد إمدادات المياه المحلية مكونا أساسيا للرفاهية حيث تمثل سلعة استهلاكية مباشرة ، كما أنها تعد عنصرا هاما في الأوساط الاجتماعية والاقتصادية. حيث يساهم الماء في مجموعة واسعة من العمليات الإنتاجية الطبيعية ، بما في ذلك الأنشطة الإنتاجية المباشرة، مثل إنتاج الأغذية وعمليات التصنيع. لا تزال مناصب الشغل في قطاع المياه محدودة نسبياً، فالنمو المحتمل للوظائف في قطاع الماء يتغير من منطقة إلى أخرى. موارد المياه محدودة في الهند ، ولكن الطلب المتزايد على المياه بسبب تزايد السكان والتحضر والتصنيع. يساهم تدبير الموارد المائية بشكل كبير في تعزيز النمو الاقتصادي للبلدان،حيث يمكن أن يساهم تدبير الموارد المائية في النمو الاقتصادي بدءا من البحث عنها ثم تعبئتها حتى استغلالها.

إن الوصول الجيد إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، و حتى التدبير الجيد للمياه يخلق استراتيجية هائلة للنمو الاقتصادي للبلاد. فهناك صلة وثيقة بين المياه والنمو الاقتصادي للبلد، و الإدارة الجيدة لموارد المياه أيضا تعطي المزيد من الكفاءة في الإنتاجية بالقطاعات الاقتصادية، كما تساهم في دوام صحة الأمم. تعد المياه جزءًا مهمًا من معظم الخدمات البيئية التي تعتمد عليها نظمنا البيئية. فالماء يتطلب تدبيرا مثاليا للسيطرة على الندرة و زيادة الاستهلاك بسبب النمو السكاني وتغير المناخ وتراجع كميات التساقطات المطرية.

يجب الاستثمار في تدبير الموارد المائية والبنية التحتية الهيدروليكية والري بشكل كبير في النمو الاقتصادي، و تحظى إمدادات المياه المجتمعية بالأولوية على أغراض المياه الأخرى في جميع أنحاء العالم، حيث  يجلب الاستثمار في أنظمة المياه والصرف الصحي في تطوير الاقتصاد و العديد من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، فالماء مهم للغاية في رفاهنا الاقتصادي الوطني.

1-      الموارد المائية العذبة:

موارد المياه العذبة في العالم تجدد من خلال دورة الماء المستمرة ،  التي تحدد توزيعها وتوافرها عبر الزمان والمكان، فهناك طرق مختلفة لتحديد وقياس ندرة المياه و / أو الإجهاد المائي،( المؤشر الأكثر شهرة لندرة المياه ) هو المياه المتجددة للفرد في السنة ، فاي منطقة أو دولة تتعرض لضغوط مائية منتظمة تنخفض فيها إمدادات المياه المتجددة إلى ما دون 1700 متر مكعب للفرد في السنة، حيث  يواجه السكان ندرة مزمنة في المياه عندما تنخفض إمدادات المياه إلى أقل من 1000 متر للفرد في السنة، والندرة المطلقة أقل من 500 متر مكعب للفرد في السنة، فباستخدام هذه العتبات ، نعرف وضعية البلد المائية.

تشمل استخدامات المياه، الأنشطة الزراعية والصناعية والترفيهية والبيئية، و تتطلب غالبية الاستخدامات البشرية مياها عذبة، فـ 97٪ من المياه على الأرض هي مياه مالحة وثلاثة بالمائة فقط هي مياه عذبة ؛ يتم تجميد ما يزيد قليلاً عن ثلثي هذا في الأنهار الجليدية والجبال الجليدية القطبية، و توجد المياه العذبة غير المجمدة المتبقية بشكل أساسي تحت الأرض (مياه جوفية) مع وجود جزء صغير فقط فوق سطح الأرض أو في الهواء.

 المياه العذبة هي مورد متجدد ، ومع ذلك فإن إمدادات المياه الجوفية في العالم تتناقص باستمرار ، نتيجة الاستنزاف الكبير  في آسيا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية و شمال إفريقيا، على الرغم من أن مقدار موازنة التجديد الطبيعي لهذا الاستخدام  لا يزال غير واضح.

2-   الماء والتنمية الاقتصادية:



 غالبًا ما يتم قياس الغنى الاقتصادي على المستوى الوطني من حيث الناتج الوطني الإجمالي ، حيث يتم التعبير عن مؤشر التصنيف النقدي للاقتصاد على أنه الناتج الوطني الإجمالي للفرد، و هناك أيضا تدابير جيدة للموارد المائية في بعض الدول، حيث  يحاول مؤشر التنمية البشرية (IDH) لبرامج الأمم المتحدة الإنمائية التعبير عن الثروة في سياق أوسع، وهو ترتيب يشمل العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، حيث ينبغي أن تعتبر التنمية البشرية مساهمًا مهمًا في التدبير الأنجع للموارد المائية.

يشير مصطلح التنمية إلى التقدم ، ولكن مفهوم التنمية البشرية كان يستخدم للتركيز على الغايات وليس على الوسائل لتحقيقه،  فالهدف الحقيقي من التنمية هو خلق بيئة يمكن فيها للناس التمتع بحياة صحية وطويلة، لهذا  فالماء هو العنصر الأساسي والأهم للتنمية البشرية. إن علاقة غنى الأمم  بوفرة المياه بشكل عام غير وطيدة، فالولايات المتحدة ، واحدة من أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي، و هي أيضًا واحدة من أغنى الدول من حيث وفرة المياه (في الشمال على الخصوص)، لكن ألمانيا واليابان الفقيرتان من حيث وفرة المياه لديهما أيضًا ناتج إجمالي وطني مرتفع. و إذا كان نصيب الفرد من الناتج الوطني الإجمالي في روسيا منخفضًا، فإن  نصيب الفرد من الماء مرتفع جدًا مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى. أما الدول التي تعاني من شح المياه مثل الصين والهند وبنغلاديش لديها دخل منخفض للفرد مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى.

نعرف أن للمياه الكافية وذات النوعية الجيدة دورا مهما في رفاهية الأمم والنمو الاقتصادي، فالماء هو أحد المواد التي لا يمكن أن يستغنى عليها في أي نشاط بشري، فالتطور المبكر للمجتمع المتحضر يعتمد بشدة على وفرة المياه.  تنبأت الثورة الصناعية في بدايتها بأهمية الطاقة المائية وإمدادات المياه المنتظمة للمعالجة الصناعية، واليوم يعد موقع محطات الطاقة النووية جزءًا من وظيفة المياه لعملية التبريد، و بمعنى آخر، إن قابلية بقاء شبكة المدن العالمية سريعة النمو وطول عمرها يعتمد بشكل كبير على الوصول إلى مصادر المياه المستدامة.

إن نقص المياه عائق أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة. لأن الماء يدمج العديد من جوانب الحياة، و يجب أن تعطى للمياه اعتبارات رئيسية، فالقرارات المتعلقة بالأنشطة الاجتماعية والاقتصادية  و الأمن المائي.

إن وجود إمدادات المياه المنزلية الكافية، عامل كبير في استقرار المجتمع، مما يؤثر على نجاح العديد من المكونات الأخرى للتنمية، كقدرة المدينة على دعم سكانها ونشاطها الاقتصادي المرتبط بإمدادات المياه. فنجاح جميع الأنشطة الاقتصادية يعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل الأخرى أيضًا، لكن ضعف إمدادات المياه يمكن أن يكون قيدًا كبيرًا.

3-      الماء كمدخل في العملية الإنتاجية:

 إن الماء كمدخل في العملية الإنتاجية له أبعاد متنوعة حيث أن معظم الأنشطة الإنتاجية تنطوي على استخدام المياه، حيث تساهم المياه في مجموعة واسعة من العمليات الإنتاجية الطبيعية ، بما في ذلك الأنشطة الإنتاجية المباشرة مثل إنتاج الأغذية وعمليات التصنيع و هي عنصر في البنية التحتية الاقتصادية الأساسية، فالدور الرئيسي للموارد المائية يتمثل  في العملية الإنتاجية في الاقتصاد على النحو التالي:

 1) الإنتاج الطبيعي؛

 2) الإنتاج الزراعي؛

 3) الإنتاج الصناعي؛

 4) إنتاج الكهرباء.

يشمل الماء أيضًا مساهمات غير ملموسة في الرفاهية الاقتصادية، قد تأخذ هذه المساهمات غير الملموسة شكل تلبية الاحتياجات الروحية كما هو الحال في المياه ذات الأهمية الدينية أو من خلال وسائل الاستجمام و الراحة التي تضيف رفاهية نفسية للأشخاص، و يتعلق الأمر بالأجسام المائية الاصطناعية مثل الخزانات ، سواء وضعت عمدا للراحة أو لأغراض أخرى، تعتبر البحيرات الاصطناعية كالمسابح من وسائل الراحة و الاستجمام  التي تحضى باهتمام الكثير من الأشخاص و التي يمكن أن تصبح عاملا مهما في التنمية الاقتصادية

4-      الموارد المائية وفرص الشغل:

 لا تزال فرص الشغل محدودة نسبياً في قطاع الماء، فالنمو المحتمل للوظائف في قطاع الماء يتغير بشكل خاص من منطقة إلى أخرى، هناك بعض المناطق في العالم  يعتبر فيها قطاع الماء مشغلا هاما لليد العاملة، كالصناعات الثماني الرئيسية والمعتمدة على الموارد الطبيعية ، والتي توفر فرص عمل أكبر في أي اقتصاد، هي:

1) الزراعة؛

 2) الغابات؛

 3) مصايد الأسماك؛

 4) الطاقة؛

 5) الصناعة؛

 6) إعادة التدوير؛

 7) البناء؛

 8) النقل.

 تعمل نصف اليد العاملة العالمية في هذه الصناعات الثماني. ويعمل أكثر من مليار شخص في قطاعات مصايد الأسماك والزراعة والغابات وحدها.  و ٪ 60 من الوظائف العالمية في قطاع الزراعة ، و 30٪  من الوظائف في قطاع الصناعة و 10٪ في قطاع الخدمات.  تعتمد هذه الوظائف بشكل كبير على وفرة المياه.  من المرجح أن تعتمد حوالي 1.35 مليار وظيفة ، أي 42 ٪ من إجمالي القوة النشطة في العالم ، بشكل كبير على المياه5 .٪ من الوظائف في قطاع الزراعة و 60٪  في قطاع الصناعة و 30٪  في قطاع الخدمات، حيث تعتمد بشكل أساسي على المياه، أي 36٪ من إجمالي القوة النشطة في العالم،  وهذا يعني أن 78٪ من الوظائف التي تشكل القوى العاملة العالمية تعتمد على المياه.

5-      حقائق وأرقام تتعلق بالموارد المائية

1)       85٪ من سكان العالم يقعون في النصف الأكثر جفافًا من الأرض؛

2)       783 مليون شخص لا يحصلون على المياه النظيفة وحوالي 2.5 مليار شخص لا يحصلون على الصرف الصحي المناسب؛

3)       من المتوقع أن ينخفض ​​توافر المياه بنسبة 50٪ في العديد من المناطق بحلول عام 2030 ؛

4)       تشكل مياه الري وإنتاج الغذاء أحد أكبر الضغوط على موارد المياه العذبة؛

5)       تمثل الزراعة 70٪ من عمليات سحب المياه العذبة العالمية وما يصل إلى 90٪ في بعض الاقتصاديات سريعة النمو مثل الهند والصين وما إلى ذلك؛

6)       90٪ من مياه الصرف الصحي في البلدان النامية تتدفق دون معالجة إلى الأنهار والبحيرات والمناطق الساحلية عالية الإنتاجية التي تهدد الصحة و الأمن الغذائي والحصول على مياه الشرب والاستحمام ؛

7)       0.5٪ فقط من الموارد المائية العذبة  في العالم متاحة لتلبية احتياجات النظام البيئي والسكان على الأرض؛

- خلاصة:

تعتبر تعبئة الموارد المائية آلية لزيادة النمو الاقتصادي، حيث أن جميع الأنشطة الاقتصادية تتطلب موارد مائية منتظمة على الأقل، و قد استخدمت العديد من الدول سياسة تعبئة الموارد المائية كآلية أساسية لزيادة النمو الاقتصادي في مناطق متخلفة، حيث  يمكن أن تساهم تعبئة الموارد المائية في النمو الاقتصادي خلال مراحل البناء والتشغيل، فالبناء يخلق  فرص عمل وبالتالي يمكن استخدامه لمعالجة ظروف البطالة المرتفعة، و  قد يولد إنشاء مشروع مائي نشاطًا اقتصاديًا كبيرًا من خلال مجموعة متنوعة من الآثار المباشرة وغير المباشرة،  إن وفرة المياه ، وخاصة في شكل خزانات، لها  إمكانات كبيرة لتحفيز النمو في النشاط الاقتصادي المرتبط بالترفيه بسبب الدور الكبير للمياه في العديد من الأنشطة الترفيهية، كما يحفز تعزيز إمدادات المياه مجموعة واسعة من الأنشطة الصناعية ونمو الإنتاج الزراعي، و  تجذب تعبئة الموارد المائية الاستثمارات في النشاط الاقتصادي أيضا.

* المراجع:

(*) قدمت هذه الورقة في ندوة وطنية عقدت في حكومة بابوا غينيا الجديدة. كلية PG ، رامناجار ، جامعة Kumaun Nainital ، أوتارانتشال في 30 مارس 2017.